من المؤكد أنكم قد قرأتم أمس عن السيدة “حنان.م.م” (33 سنة)، التي قامت بنحر أبنائها الثلاثة، وهم: أحمد (10 سنوات)، وأنس (5 سنوات) وسمية (3 أشهر)، ومحاولة الانتحار بعد ذلك، في قرية منية النصر التابعة لمديرية أمن الدقهلية بمصر.
تركت الأم رسالة لزوجها الذي يعمل في السعودية، تعتذر فيها عن فشلها في الاعتناء بأبنائها، وركزت على ابنها الأكبر الذي كان يُعاني من “التوحد”.
ما وجدته في تلك الرسالة لم يكن مجرد اعتذار أو اعتراف، بل كان نداء استسلام أكيد، قد سبقته مئات نداءات الاستغاثة، كما يبدو أن الزوجة قد وضعت حملها منذ ثلاثة أشهر فقط، وأنها كانت تعتني وحدها برضيعتها وطفلين أحدهما في حالة توحد. يبدو أيضاً من خلال الرسالة، أنها كانت تشعر بالذنب بسبب حالة طفلها الأكبر، وأنها قد عجزت عن تعليمه الكلام والحياة، وقد يكون هذا الإحساس قد نشأ لديها من خلال تعليقات خارجية.
تمر المرأة بعد الولادة في الحالات العادية بحالة تسمى “اضطراب النفاس”، وهي حالة تستمر من أسبوع إلى 10 أيام، يُرافقها تقلُّب في المزاج وأرق وآلام عضوية مثل الصداع والمغص، وهي حالات طبيعية لا تستدعي التدخل الطبي، فقط الراحة وجو مفعم بالتفاهم.
لكن هناك نوع آخر خطير وهو “اكتئاب ما بعد الولادة”، وهذا قد يدوم أشهراً بعد الولادة، وله مضاعفات خطيرة على الصحة النفسية للمرأة. وتشير الإحصائيات إلى أن امرأة من بين كلّ 10 نساء، تصاب باكتئاب ما بعد الولادة الحاد بعد مجيء الطفل، وهذا النوع يستدعي التدخل الطبي، لأنه يُصاحبه خلل هرموني.
حيث تُشير الأبحاث أيضاً إلى أن التغيرات السريعة في هرمونات الجنس والتوتر خلال فترة الرضاعة والخلل بمستويات هرمون الغدة الدرقية أثناء الحمل وبعد الولادة، لها تأثير قوي على الحالة المزاجية، وقد تُسهم في حدوث الاكتئاب، إذ يساعد الانخفاض الكبير في هرموني الإستروجين والبروجستيرون داخل الجسم في الإصابة بالاكتئاب، وكذلك يمكن أن تنخفض بعض الهرمونات التي تُفرزها الغدة الدرقية بدرجة كبيرة أيضاً، ما يجعل المرأة تشعر بالتعب والكسل والاكتئاب.
يجب أن تخضع الأم للمتابعة النفسية في حالة وجود قلق حاد أو أفكار غير سوية، كما على الأسرة مراقبة الأم وردود فعلها خلال الشهر الأول بعد الولادة، ويجب على الأب أيضاً ألا يُحمّل الأم مسؤولية الطفل كاملة، بل أن يُشعرها بوجوده وأنه يُقدر تعبها، في حالة مرض الطفل، وهو أمر وارد للأطفال حديثي الولادة فلا يجب أن تُتهم الأم بالإهمال.
تجد بعض النساء صعوبة في الاعتناء بأنفسهن خلال الأيام الأولى، بسبب الآلام المرافقة للولادة الطبيعية أو القيصرية، لا يجب التعليق سلبياً على ذلك؛ لأنه مؤذٍ جداً.
على الأم التي تشعر ببوادر اضطراب النفاس ألا تتوانى عن طلب المساعدة، ويمكنها أن تتحسن بمجرد جلسات أحاديث لطيفة مع أمهات جديدات، وألا تحاول الظهور بشكل المرأة الخارقة التي يمكنها أن تتخطى الأمر بمفردها، قد يكون في كثير من الأحيان، التدخل الدوائي ضرورياً لضبط السيروتونين (serotonin) والمسمّى أيضاً النورادرينالين (noradrenaline) في الدماغ.
لا تهوّني من تعبك النفسي؛ لأنه قد يتحول إلى كارثة.