Warning: Undefined array key "instagram" in /var/www/html/wp-content/plugins/miniorange-login-openid/class-mo-openid-login-widget.php on line 655

The Lady Company

في مقال خاص عن الأمومة، تحدث الكاتب واستشاري الطب النفسي الدكتور محمد طه عن موضوع شائك، تعاني منه أغلب الأمهات، وهو عقدة الذنب والتقصير تجاه أطفالهن، والتي تتحول مع الوقت لإلغاء النفس تماماً وعدم الاستمتاع بأي جانب من جوانب الحياة، والتركيز فقط على الأطفال واهتماماتهم، الأمر الذي يجعلهن يعانين طوال الوقت من المسؤولية والضغط العصبي، وعندما تقرر إحداهن أنها يجب تلتفت لنفسها وتتخذ القرار تشعر بالذنب مرة أخرى.

فيما يلي مقال باللغة العامية للدكتور محمد طه يتحدث فيه عن هذه الحالة وكيفية التخلص منها.. لكل أم لا تفوتي هذا المقال:

الأمومة والذنب..

الأمومة صعبة.. ومجهدة.. ومرهقة..

الإحساس بالذنب مؤلم.. ومتعب.. وشاق..

تصور بقى الاتنين (مع بعض) يبقوا عاملين إزاي..

من المشاعر الصعبة جداً.. والمتعبة جداً.. واللي بتمر بها كتير من الأمهات بشكل متكرر ويبدو معتاد.. هي مشاعر الذنب.. الإحساس بالتقصير.. إني مش عاملة اللي عليّ.. بيسموها Mom Guilt.. وده ليه تفسيرات كتير.. وفي مجتمعنا.. تفسيراته وأسبابه أكثر..

قبل ما الست تولد بشوية.. تنهال عليها كمية هائلة من النصائح والتعليمات والتوجيهات من الأمهات والجدات.. من الزميلات والصاحبات.. من جروبات الماميز على السوشيال ميديا.. تحس قدامها أي ست بالتحفز والتخوف والاستعداد والاستنفار.. 

وأول ما تولد ينزل عليها وابل من المهام والتكليفات والوظائف اللي عمرها ما عملتها قبل كده.. ولا اتدربت أو اتمرنت عليها بأي شكل.. وكل علاقتها بها كانت مجرد السماع أو الملاحظة أو التخيل.. 

مش بس كده.. ده مطلوب منها تؤدي كتير من الحاجات دي لوحدها.. لوحدها تماماً.. رضاعة.. سهر.. تغيير هدوم وحفاضات.. تنضيف وحموم وغسيل.. وغيرها وغيرها.. وده طبعاً غير مهام البيت اليومية المعروفة.. واللي- في مجتمع زي مجتمعنا- برضه مطلوب منها تقوم بيها لوحدها.. 

تبدأ هنا تتزرع جواها نواة صراع نفسي داخلي غريب.. ماكنش موجود ولا كانت تتوقع وجوده قبل كده.. صراع ما بين المتوقع منها.. واللي هي بتعمله.. ما بين المفروض.. والمقدور عليه.. 

هي من ناحية مش هاتقدر تعمل كل المطلوب بشكل تام وكامل ووافي.. ده المستحيل بعينه.. ومن ناحية تانية.. فيه توقعات من اللي حواليها إنها تكون أم (كويسة).. (أم) قد المسؤولية.. (أم) تمام.. 

وأمام أي مشكلة تحصل.. تطاردها أشباح (انتِ مهملاه).. (انتي سايباه).. (انتِ مش مراعياه).. (انتِ مقصرة ناحيته).. (انتِ مش عاملة اللي عليكِ).. 

وطبعاً لو الزوج (ذكر شرقي منقرض)، متصور إن دوره كأب هو انه فقط يشتغل ويجيب فلوس.. وإنه بمجرد ما مراته تولد يروح ينام في أوضة لوحده.. ومايعملش حاجة غير اللوم، والتعديل، والاتهام.. ومايشاركش غير بالطلب.. أو الضغط.. أو الزق.. فالحمل هنا أزيد بكتير.. مزيج من الإحساس بالهم.. والغم.. والحزن.. الشعور بالقهر.. والظلم.. والذنب..

أيوه الذنب.. الشعور الخام بالذنب.. 

لو رضعته أقل من المتوقع.. تحس بالذنب.. 

لو فيه مشكلة في الرضاعة.. تحس بالذنب..

لو مانامش كويس.. هاتحس بالذنب.. 

لو بطنه وجعته أو حصله إسهال.. هاتحس بالذنب..

ويكبر الطفل.. ويكتر معاه المطلوب.. ويكبر معاه الشعور بالذنب والتقصير.. يتضخم الفارق بين المفروض والواجب.. 

ويتسرطن الصراع بين المطلوب والمقدور عليه..

الحضانة.. المدرسة.. الدروس.. النجاح.. التمرين.. الأكل.. الشرب.. الوظيفة.. الجواز.. 

لو كانت أم عاملة.. هاتحس بالذنب..

لو زهقت وتعبت واشتكت.. هاتحس بالذنب..

لو اتفرجت شوية على التليفزيون أو اتسلّت شوية بالموبايل.. هاتحس بالذنب..

لو طلبت المساعدة.. هاتحس بالتقصير.. والذنب..

لو اتعصبت واتنرفزت.. تحس بالذنب..

وطبعاً لو كانت من سيئات الحظ اللي أصابهم اكتئاب ما بعد الولادة.. اضرب الإحساس بالذنب ده في ألف..

ده غير المقارنة.. اللي هى بتقارنها مع غيرها من الأمهات.. واللي أهلها وأهل جوزها بيقارنوها عمال على بطال..

وغير الأحكام.. اللي بيطلقها عليها القريب والغريب.. انتِ أم فاشلة.. أم مهملة.. أم مقصرة..

وغير رؤيتها هي لنفسها.. وحكمها هي شخصياً على نفسها.. اللي أقسى من كل ده..

وغير إنه مطلوب منها بعد ده كله إنها تكون ست.. أنثى.. مهتمة بنفسها وجسمها وجمالها.. وإلا.. الخيااااانة.. أو يتجوز عليها.. وتحس تاني بالذنب.. ويحسسها اللي حواليها بأضعاف أضعافه..

وغير اللي بتكمل في زيجة فاشلة علشان ذنب العيال.. 

واللي بتطلق.. وتشيل برضه ذنب العيال.. 

واللي تسعى هي شخصياً للعلاج- رغم إن المشكلة مش عندها- خوفاً من ذنب العيال..

ولو الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.. تحس بالذنب..

ولو مافيش نصيب في الخلفة لأي سبب.. تحس بالذنب.. 

وكأن الإحساس بالذنب أصبح جزء لا يتجزأ من مقومات الأمومة..

لسه..

فيه مستويات أعقد وأعمق لإحساس الأمهات بالذنب.. 

إحساس الأم بالذنب بيبدأ أحياناً أثناء الحمل.. أنا ليه هاجيب طفل للدنيا الصعبة دي..

بيبدأ أحياناً من لحظة خروج الطفل من رحمها.. إزاي هاتخلى عن حتة مني عاشت في جسمي 9 شهور.. 

بيبدأ من أول نفس.. وأول بكاء.. وأول نظرة في عين الطفل..

ذنب.. ذنب.. ذنب..

تحس إن أمومتها ذنب.. وأنوثتها ذنب.. ووجودها نفسه- أحياناً- ذنب.. عندما ينتهي الأمر بكل هذا الضغط والصراع لما يسمى بالذنب الوجودي Existential Guilt.. اللي هو مش بس ارتباط الذنب بالأمومة.. لأ.. ده يبقى (أنا موجودة = أنا مذنبة)..

الطبيب النفسي وعالم النفس العبقري دونالد وينيكوت Donald Winnicott قضى حياته المهنية والعملية في دراسة وتحليل العلاقة بين الأم والطفل.. من خلال تجارب وأبحاث وأفكار ونظريات مهمة جداً جداً في العلاقة دي.. 

من أهم اللي وصل ليه وكتب عنه وينيكوت حاجتين.. 

الحاجة الأولى.. اسمها Good Enough Mother.. يعني الأم الجيدة (بدرجة كافية).. مش مطلوب من الأم إنها تكون متاحة طول الوقت.. 24 ساعة في اليوم.. مش مطلوب منها تكون فظيعة ورهيبة وماحصلتش.. مش مطلوب تكون سوبروومان.. كل المطلوب إنها تعمل (اللي تقدر عليه).. في حدود قدرتها من ناحية.. واحتياج طفلها (الطبيعي المناسب المعقول) من ناحية.. بس وخلاص.. لا أكتر.. ولا أقل.. 

الحاجة التانية.. هي إنه ماينفعش الأم تكون (أم جيدة بدرجة كافية).. وهي حاسة بالذنب ناحية ابنها/بنتها.. مهم تعرف إن لها حق على نفسها.. مهم تصدق إنها بشر بتغلط وتضعف وتقصر وتفشل.. مهم تراعي نفسها زي ما بتراعي طفلها.. مهم تفصل نفسها عن طفلها وماتتعاملش معاه على أنه قطعة منها خارج جسدها.. مهم تتخلص من أي إحساس بالذنب تماماً.. مش عاوزينها تبقى أم مثالية.. ولا أم مضحية.. ولا أم شهيدة.. ده مؤذي لها وبالتالي مؤذي لطفلها.. مافيش أم هاتدي طفلها حقه من غير ما تدي نفسها حقها..

فيه كمية ضغط نفسي رهيبة.. تصل لدرجة الإرهاب.. بتمارس على الأمهات.. من أمهات وصديقات وأخوات وأزواج وزوجات..

فيه ابتزاز عاطفي فوق الوصف.. تتعرض له أي أم.. بقصد وبدون قصد.. علشان تلبس دور البطلة..

حقن يومية.. لا.. حقن مين.. شاحنات وناقلات وحاملات براميل من الإحساس بالذنب.. يتم تفريغها يومياً في عقول وقلوب الأمهات.. لتمتلئ حتى آخر قطرة منها.. 

مش بس كده.. ده اللي بيحصل بعد شوية إن الشعور بالذنب Guilt  يتحول للشعور بالعار Shame.. يعني بدلاً من (أنا أم مقصرة).. يتحول الأمر إلى (أنا أم فاشلة)..

يا ست الكل..

فيه مثل إنجليزي شهير بيقول It takes a village to raise a child.. يعني علشان تربي طفل.. الأمر محتاج قرية/بلد كاملة.. مش مجرد فرد واحد..

انتِ مش إله.. ومش بطلة.. ومش سوبروومان..

انتِ بشر.. إنسان.. بني آدم ضعيف.. إحنا اتخلقنا من ضعف..

صدقي ده لو سمحتِ..

ماتستجيبيش من فضلك لوخزات الذنب المتتالية.. ووكزات التقصير المتكررة.. 

ماتسمحيش لحد يغرقك إحساس بالذنب.. علشان يبرر لنفسه تخليه عن المسؤولية..

فرقي بشكل واضح بين الإحساس (بالذنب).. والإحساس (بالمسؤولية)..

من حقك تطلبي المساعدة.. مش بس تطلبي.. تشترطي المساعدة.. على جوزك أولاً.. ده شريكك بالنص.. ماترضيش بغير كده..

ومن إخواتك وأهلك وأصحابك.. من غير كسوف ولا خجل.. ده حقك.. وهايعملوا ده والله وهما مبسوطين وراضيين..

من حقك تتعبي وتشتكي.. مافيش مشكلة.. ده مش معناه إنك وحشة.. ولا إنك ضعيفة.. معناه الوحيد إنك إنسانة طبيعية..

من حقك تزهقي.. وتغضبي.. وتعبري عن زهقك وغضبك.. ومن حقك على اللي حواليكِ إنهم يستحملوا ده ويستوعبوه ويقبلوه.. الكتمان مش شطارة.. وتجاهل مشاعرك الحقيقية مش جدعنة.. دي مقدمات أكيدة لانفجار قادم.. 

من حقك  تهتمي بنفسك.. وتاخدي مساحتك.. تتنفسي.. تتحركي.. تعيشي..

ومن حقك طبعاً.. لو حسيتِ انك محتاجة مساعدة متخصصة.. ماتتردديش.. وتسعي إليها.. من غير استئذان حد.. ولا انتظار موافقة حد..

صورة تعبيرية pexels