كثيراً ما تردني رسائل من الأمهات يتعجبن فيها ويتساءلن عن سبب تغير سلوك طفلهن الأول بعد قدوم طفل ثانٍ إلى الأسرة، بعض الأمهات تقول إن طفلها الأول يعاني غيرة شديدة من أخيه المولود وقد تصل به إلى إيذائه، مما يثير نوبات غضبها هي الأخرى فتضربه، ولكن مع الأسف يزيد الطفل عناداً وحنقاً على أخيه.
وبعضهن يشكون من عدم قدرتهن على التعامل المتوازن بين الطفلين ويقلن إن الطفل الأول يشعر بأن المولود الجديد قد استحوذ على كل الحب والحنان والاهتمام الذي كان له، ما يدخله في نوبات غضب وصراخ مستمر وغيرة وعداوة شديدة، وتواصل الأم: لقد سئمت واستنفدت طاقتي ولا أدرى ماذا أفعل!
عزيزتي، إذا كنتِ أماً أو مُقبلة على الزواج أو متزوجة وستصبحين أماً قريباً، فهذا المقال يؤهلك أسرياً ويجيب عن كثير من تساؤلاتك، ويساعدك على حل كثير من المعضلات التي ستواجهكِ في التعامل مع أطفالك.
لماذا يشعر طفلك بالغيرة من المولود الجديد؟
قبل أن نتهم الطفل بالغيرة ونعتبرها نقصاً أو مَسبَّة في حقه، تعالوا نفهم أولاً ما هي الغيرة ومتى تحدث وكيف نتعامل معها. الغيرة عند الطفل شعور معقد يحتوي على مشاعر مختلطة ما بين الخوف من الهجر وصولاً إلى الهجر والشعور بالذل، وتثار عندما يلاحظ الطفل وجود تهديد يحدث لعلاقته بوالديه من طرف جديد دخيل عليه وهو المولود الجديد، حتى لو كان هذا التهديد مجرد تخيلات، فتزداد نوبات الغضب لدى الطفل ويصبح مزعجاً للأهل.
الغيرة سلوك طبيعي، فالغيرة التي يشعر بها طفلك تجاه المولد الجديد أمر طبيعي ومقبول، بل هي دليل على وعيه بذاته وبداية تشكُّل رؤيته للعلاقات الإنسانية.
علامات الغيرة من المولود الجديد
للغيرة علامات كثيرة وتختلف من طفل وبيئة إلى أخرى، ولكن نذكر أهمها، حيث ينام الطفل في سرير المولود الجديد أو فوق جسمه، ويطلب بشدةٍ أن يرضع من رضاعة أخيه أو ثدي أمه، قد يضرب المولود أو يقرصه في جلده، وقد يحاول إطعام المولود وعليك أن تستعدي لما هو أسوأ من ذلك فقد يعود للتبول في ملابسه بعد أن اكتسب مهارة استعمال الحمام قبل ذلك.
وربما يفقد شهيته للأكل ويرفض الذهاب للمدرسة أو الروضة ويصر على البقاء بالبيت، ويبدي رفضه للنوم بغرفته الخاصة بعد أن كان يستخدمها لفترة طويلة، إضافة لذلك تتوالى طلبات عجيبة مثل إعادة المولود أو إرساله إلى مكان آخر.
واحذري فقد يستغل انشغالك ويحاول اكتشاف المولود بنفسه، وقد يصبح نومه مضطرباً ومتقطعاً مع ارتفاع وتيرة الكوابيس والأحلام المزعجة، وبالطبع يلصق كل أخطائه بالمولود الجديد. وربما يبدي فعلاً معاكساً مثل الهدوء الزائد لحد الاكتئاب، أو ربما يقلد المولود الجديد كعدم القدرة على المشي أو الكلام أو مص إصبع الإبهام.
تعاملات خاطئة تزيد حدة الغيرة لدى الطفل تجاه المولود الجديد
تعتبر الغيرة رد فعل من الطفل يحمي به نفسه أمام هذا الوضع الجديد، حيث يشعر بحساسية مفرطة ويحاول حماية مكانته بذلك التصرف، ولكن هناك سلوكيات متسرعة وغير محسوبة من قبَل الأهل تؤدي إلى زيادة حدة الغيرة من الطفل تجاه المولود الجديد دون تفهم لحساسيته المفرطة وطبيعة الغيرة وأنها سلوك طبيعي منه.
وهذه السلوكيات يجب أن ننتبه لها جيداً مثل أن نطالب الطفل بتفهم انشغال الأم عنه بالمولود الجديد، أو تعنيفه لفظياً أو بدنياً وإبعاده عن الرضيع، والقسوة الشديدة تجاه الطفل نتاج بكائه بدلاً من احتوائه، والتكاسل عن صحبته لأنشطة روتينية اعتادها. وأن نغمر المولود الجديد بالهدايا دائماً وهو لا، ونردد اسم المولود الجديد والاحتفاء به خاصة في حفل العقيقة والسبوع دون الطفل الأول، إضافة إلى كَبته طوال الوقت وإيقاف حركته بدعوى أن المولود نائم.
كيف نتعامل مع الطفل الأول ونوازن بينه وبين المولود الجديد؟
تبدأ التهيئة منذ فترة الحمل في المولود التالي، وذلك بتمهيد الطفل الأول لاستقبال المولود الجديد ومساعدته على تخيل حياته بعد بضعة أشهر مع رفيق جديد، وذلك من خلال إشراك الطفل في اختيار اسم الجنين وإطلاعه على صور الفحص، والتجهيز معاً لاستقبال المولود الجديد باختيار أغراضه وملابسه معاً.
ويجب على الأم تجنب الحديث عن آلام الحمل أمامه؛ حتى لا يعتقد أن المولود هو السبب في ألم أمه، كما يفضل تركه عند أحب الناس إليه خلال ذهاب الأم للولادة، ويجب أن لا ننسى الحديث معه مسبقاً عن اللحظة الأولى للقاء المولود وكيفية التعامل معه واستقباله والترحيب به، ويفضَّل أن يرى الطفل المولودَ الجديد أول مرة وهو في مهده وليس في يد الأم، وأن تستقبله هي باحتضانه وضمه بعطف وحنان.
تجنبي الاستنفار عند بكاء الرضيع، وأشرِكي الطفل في حلول مقترحة لتهدئة المولود الجديد، وأخبريه بأن هذا المولود قد أنجبته أمه ليصير صديقه ورفيقه وأخاه، وأشركيه في حمل الرضيع والاعتناء به تحت إشراف الوالدين، كما عليك تخصيص جزء من الوقت يومياً لقضاء وقت معه في أثناء نوم الرضيع، والحفاظ على روتينه السابق قدر المستطاع؛ لكيلا يربط تأثره، بالوافد الجديد.
يجب الحديث معه عن مشاعره وإكسابه كلمات للتعبير عنها، وتوجيه المقربين لإحضار الهدايا للطفل الأول عوضاً عن الرضيع أو لهما معاً، ومشاركته في العناية بالرضيع ومساعدة الأم، مما يُشعره بالرضا والمسؤولية مثل إحضار الحفاضات أو المناشف.
إخباره بأن قلب الأبوين كبير ويتسع لحبهما معاً، وأخذ رأيه في كل ما يتعلق بالصغير وإخباره بأنهما يثقان برأيه كثيراً. شاهدا معاً الصور القديمة له وهو صغير في عمر أخيه الجديد، وأخبريه عن قصص وقت ولادته وكيف كان وهو رضيع.
احذري من مقارنته بالرضيع، وأبدي المشاعر لهما معاً طوال الوقت دون تفضيل أحدهما على الآخر، ووجّهي مشاعر الغيرة لديه نحو طموح عالٍ وتفكير إيجابي آخر مثل إخباره بأن كونه الطفل الأول يعطيه مميزات لا تعطى للطفل الجديد مثل الحصول على مصروف أو الاستيقاظ متأخراً أو اصطحاب والده له في نزهة أو الذهاب للتسوق.
احذري من سؤاله عن مقدار حبه لأخيه، فالحقيقة أنه يغار منه وقد يبدي رد فعل عكسياً أو غير متوقع قد يغضبك، لذلك كوني حكيمة واجعليه يكتسب ويتعلم حب أخيه بالممارسة مع الوقت، واحذري من الاشتراك لطفلك في الروضة فور قدوم المولود الجديد؛ حتى لا يشعر بأنه غير مرغوب فيه، وإذا خططتِّ لذلك فعليك التنفيذ مسبقاً خلال فترة الحمل.
وتذكَّري دوماً أن أحب الأبناء هو الطفل الصغير حتى يكبر، ولكل طفل معزَّته الخاصة ومميزاته، فعليك تأكيد نقاط القوة لدى شخصية طفلك الأكبر، واتخاذه معاوناً لك على رعاية الأصغر حتى تتعودا معاً تلك الحياة الجديدة بكل ما فيها من مغامرات ومفاجآت، وتذكَّري دوماً أن “التربية ليست سهلة لكنها تستحق هذا العناء”.
وصيتي إليك.. لا تنسي نفسك وسط كل هذا العناء، وحافظي على اقتطاع وقت خاص بك وحدك تستمتعين فيه كيفما شئتِ وتجددين فيه طاقتك حتى تستطيعي المواصلة دون انسحاق تحت دوامة الحياة، دمتِ أماً جميلة ودامت حياتك متوازنة وصحية.