تبدو غرفة نوم طفلي كساحة معركة، لا تستطيع معرفة مكان أي شيء بالرغم من المجهود المبذول في ترتيبها دورياً، إلا أنها تتحول في لحظة إلى مكان فوضوي كأن زلزالاً قلبها رأساً على عقب.
بينما تتواصل أصوات الصراخ طول اليوم كموسيقى تصويرية مناسبة لحال تلك الغرفة المبعثرة، بينما أسمع زجاجاً يتهشم أسمع صوت طفلي وهو يقول: “هدف! هدف! أحرزت هدفاً”، فأدرك أن الهدف كان البرواز المعلق على الحائط.
أشعر أنه لا يسمعني أبداً، فقرة الواجبات اليومية هي الجزء الأكثر رعباً لي طوال اليوم، فمحاولة تمالك أعصابي أمام تنقّله من وظيفة لأخرى دون إتمام أيٍّ منها، وعدم استطاعته إكمال أيٍّ من واجباته دون وجود شخص مرافق له، والشعور الدائم بالملل، والحاجة الدائمة إلى توجيه حتى في أصغر التفاصيل يجعلني دائماً مرهقة ذهنية جداً. إلى جانب ذلك فإنه دائماً ما ينسى واجباته وأدواته المدرسية سواء في البيت أو المدرسة.
بعد مراجعة الطبيب والقيام بكل الفحوصات اللازمة علمت أن كل هذه التصرفات والشكاوى لها علاقة بوجود مشكلة في الانتباه والتركيز أو ما يطلق عليها “متلازمة نقص الانتباه وفرط الحركة“.
في أحد الأيام قابلت كتاباً ساعدني جداً، ذكر الكاتب في فصول مختلفة كيف نساعد أبناءنا الذين يعانون من نقص الانتباه وفرط الحركة في مناحي الحياة المتعددة، وكيف نستطيع تعديل سلوكهم في البيت والأماكن العامة، وأخيراً كيف نستطيع مساعدتهم للتقدم أكاديمياً، وهذا ما سأنقله لكم مع تجربتنا الخاصة تحديداً.
هناك خطوات علينا اتباعها لتحقيق ذلك التقدم، تلك الخطوات يجب أن تكون مدروسة ومنسقة مع القائمين على العملية التعليمية الخاصة بأولادنا، والأهم في تلك الخطوات هو الاستمرارية وتقييمها بشكل دوري حتى نصل لشكل يتناسب مع شخصيات وسلوكيات أطفالنا المختلفة، وما فعلته مع أطفالي الذين يعانون من نقص الانتباه بدرجات متفاوتة كانت تلك الخطوات.
خطوات لمعالجة نقص الانتباه وفرط الحركة
1- أعطِ طفلك تشجيعاً فورياً
تقول دكتورة ڤيرجينيا دوجلاس، الخبيرة في اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، إن الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب يخضعون للتأثير اللحظي أكثر من الأطفال الآخرين. لذلك عندما تكون هناك وظيفة صعبة ومملة وغير مجزية يبدأون فوراً في البحث عن شيء آخر يقومون به، فإذا كنت تريد أن ينهي طفلك واجباته ومهامه فعليك أن تعطيه ملاحظات إيجابية خلال أدائه تلك المهمة، أيضاً عليك عدم الإكثار من التعليقات السلبية.
2- القواعد والقوانين يجب أن تكون واضحة وملخصة ومباشرة ومتواجدة على شكل قائمة أو جدول متواجد في مكان أمام عينيه باستمرار حتى يستطيع تذكرها دائماً، فالذاكرة البصرية أقوى من الذاكرة السمعية لمعظم هؤلاء الأطفال، وشجع طفلك على تكرار القواعد بصوت مرتفع للتأكد من فهمه الجيد لها.
3- المكافأة والعقاب والملاحظات التي نستخدمها مع أطفال نقص الانتباه وفرط الحركة يجب أن تكون فورية وسريعة، ولكن في نفس الوقت بشكل منظم ومعروف ومخطط له مسبقاً.
4- الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أقل حساسية تجاه الثناء الاجتماعي والتوبيخ، لذلك يجب علينا إيجاد مكافآت لها تأثير إيجابي أكثر قوة.
5- تعتبر التعليقات الإيجابية المتكررة أو تحمل نتيجة عدم اتباع القواعد حاسمة بالنسبة للتدريب الأساسي على امتثال الطفل للقواعد، فبدون ذلك لن يعير الطفل اهتماماً لتلك القواعد.
6- علينا استخدام نظام المكافآت والتحفيز قبل استخدام العقاب، لأنه إذا بدأنا باستخدام العقاب سيرى الطفل المصاب بنقص الانتباه وفرط الحركة المدرسة أو وقت أداء الواجبات المنزلية على أنه وقت مخصص للعقاب واللوم. كآباء علينا أن نتأكد من أن المعلم اتبع نظام المكافآت على الأقل فترة أسبوعين قبل استخدام العقاب.
مع ابني المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة كان مجرد الحصول على ملصق مكتوب عليه أحسنت يحفزه لفعل المزيد ولم يحتج المعلم إلى اتباع نظام العقاب مطلقاً. لذلك يختلف كل طفل عن الآخر وعلينا كآباء الصبر والبحث عن الطريق المناسب لطفلنا ولا نقارنه بغيره ولا حتى إخوته فكل طفل هو حالة خاصة مميزة.
7- نظام المكافآت يمكن أن يكون فعالاً لمدة عام دراسي كامل، لكن على المعلم والمربي تغيير المكافأة من وقت لآخر، فأطفال نقص الانتباه يملون أسرع من غيرهم من الأطفال. وبالتالي يشعر بعض المربين والمعلمين أن نظام المكافآت أصبح غير مجدٍ مع الطفل ويتوقفون عن استخدامه بدلاً من تجديده وابتكار طرق جديدة لتحفيز الطفل على الالتزام بالقواعد.
8- يشعر أطفال نقص الانتباه وفرط الحركة بالضياع بعض الوقت أثناء الانتقال من نشاط إلى آخر، لذلك علينا كآباء ومعلمين اتباع استراتيجية تساعدهم على تجاوز تلك الأوقات بأقل ضغط نفسي ممكن، على سبيل المثال:
- أ- قبل دقائق من الانتقال إلى نشاط جديد علينا أن نخبر الطفل، مثلاً: “سيكون العشاء جاهزاً بعد قليل، خلال هذا الوقت أطلب منك إطفاء التلفاز وغسل يديك والمجيء إلى طاولة الطعام”، هذه العبارة واضحة التعليمات تعطي الطفل الفكرة جيداً عمّا سيفعله بعد قليل بشكل أفضل من أن نطلب منه أن يحضر “فوراً” لطاولة الطعام، وخلال تلك الفترة يشعر الطفل بالراحة أثناء الانتقال من مشاهدة التلفاز للحضور لطاولة الطعام لتناول طعامه.
- ب- عندما تطلب من طفلك شيئاً أثناء انغماسه كلياً في نشاط آخر كاللعب أو مشاهدة التلفاز، اسأله بطريقة هادئة: هل سمعت ما طلبته منك، هل يمكنك تكرار ما قلته لك؟
- ج- عندما يحين وقت الانتقال للنشاط الآخر أخبِر طفلك بلهجة حاسمة وهادئة أن عليه الاستماع لما طلبته منه مسبقاً، على سبيل المثال: “محمد أخبرتك منذ قليل أننا سنتناول طعام العشاء وأن عليك غلق التلفاز وغسل يديك”، عندما يتجاهل الطفل ذلك الأمر فعليك أن تطفئ التلفاز بنفسك، وفي حالة الاستماع المباشر للطلب فعليك مكافأته وإعطاؤه رد فعلٍ إيجابياً لذلك.
9- بعض الأطفال الذين يعانون من نقص الانتباه وفرط الحركة يحتاجون إلى مساعدة أكاديمية إضافية، بعض الآباء لا يستطيعون الفصل بين كونهم آباء ومعلمين لأولادهم، لذلك يفضل أن يستعينوا بشخص محترف قادر على مساعدة أبنائهم أكاديمياً إذا كانت ظروفهم المادية تسمح بذلك.
10- ما أفعله في بداية كل عام أكاديمي جديد هو طلب اجتماع مع إدارة المدرسة ومعلمي الصف، وأدعو لحضور هذا الاجتماع كل القائمين على علاج ابني في كل التخصصات، وأحضر تقريراً واضحاً به كل نقاط القوة والضعف، وما أعتقد أنه يمكن أن يساعد ابني من خلال تجربتي معه.
وأعطي كل شخص قائم على العملية التعليمية والأكاديمية لابني نسخة مدوناً بها كل وسائل التواصل معي، تسهل تلك المقابلة ما يأتي بعد ذلك لأننا وضعنا أسساً واضحة منذ البداية دعمها أخصائيون. ثم في بداية النصف الثاني من العام أطلب مقابلة فردية مع كل معلم أو اجتماعاً كبيراً إذا أتيحت الفرصة، هدف هذه المقابلة هو التقييم واستدراك المشاكل حتى لا تتفاقم.
11- تسجيل الواجبات المطلوبة في أجندة خاصة بالواجبات يساعد الطفل المصاب بنقص الانتباه وفرط الحركة على تذكر ما طلب منه أثناء اليوم، هذا أيضاً يحتاج إلى تواصل مع المعلم ليكون التسجيل جزءاً من روتين الطفل اليومي في المدرسة. في ألمانيا -حيث نقيم- جميع الطلاب يسجلون واجباتهم في دفتر يومي خاص لسهولة المتابعة.
12- وجود نسخة من الكتب المدرسية في البيت حتى لو تطلب الأمر دفع بعض المال لذلك يوفر جهداً ووقتاً كبيرين، فعندما ينسى الطفل كتبه في المدرسة كما هو متوقع لن تتراكم عليه الواجبات، إلى جانب أن ذلك يفيد في المتابعة معه، ماذا درس ومتى، يفيد هذا أيضاً أثناء التواصل مع المعلمين.
13- منذ عام سمحت المدرسة لابني باستخدام الهاتف لالتقاط صور للوحات التوضيحية (السبورة) أثناء الدرس، ساعدنا هذا كثيراً في تذكر ماذا درس خلال اليوم.
14- خصص وقتاً لابنك أسبوعياً تمارسون فيه نشاطاً ممتعاً دون الحديث عن المدرسة ونقص الانتباه والواجبات، هذا الوقت يعزز إيجابيّاً العلاقة بينكما، التي هي أهم من أي تقدم دراسي.
حققنا نجاحاً بالفعل بعد تلك الاستراتيجية طويلة المدى والتي احتجت إلى ثلاثة سنوات كاملة لتثمر، فالأمر يحتاج إلى الصبر، وما أنصح به أي أسرة تجد أبناءها يعانون من صعوبات التعلم أن يناقشوا تلك الصعوبات مع المختصين من أهل الطب والتعليم والمتخصصين في علاج نقص الانتباه وفرط الحركة، وألا يستمعوا إلى الأصوات التي تتهمهم كآباء بتدليل أبنائهم الزائد أو سوء التربية لأن في ذلك ظلماً شديداً لنا كآباء ولطفولة أولادنا المصابين بنقص الانتباه وفرط الحركة أو غيرها من الاضطرابات، الذين إذا حصلوا على المساعدة والدعم الكافي سيجتازون بإذن الله تلك الصعوبات ويحققون نتائج مُرضية، ويكونون أطفالاً أسوياء نفسياً يعرفون قدراتهم ويحترمون اختلافهم ونقاط ضعفهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net